SUDAN FLYING HIGH OVER THE SKY
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أبريل 1985 (تاريخ الأجهزة الأمنية في السودان حتى 8)

اذهب الى الأسفل

أبريل 1985 (تاريخ الأجهزة الأمنية في السودان حتى 8) Empty أبريل 1985 (تاريخ الأجهزة الأمنية في السودان حتى 8)

مُساهمة من طرف Admin الخميس يناير 29, 2009 10:37 pm

الحكم الوطني الأول حتى إنقلاب 17 نوفمبر 1958

عميد أمن «م»/ محمد الفاتح عبدالملك

أحداث ومواقف تمرد توريت أغسطس 1955
أوردنا في المقال السابق تفاصيل الأحداث التي وقعت بحامية توريت وامتدت لتشمل كل مراكز المديرية الإستوائية.. والتي شكّلت في مجملها ما عُرف حتى يومنا هذا بمشكلة جنوب السودان.
للوقوف على أسباب ما حدث ودوافعه لابدّ من العودة للتقرير الرسمي الذي أعدته لجنة التحقيق الإداري في حوادث الجنوب والتي ذكرنا أنها كانت برئاسة القاضي قطران.
قدّمت اللجنة لتقريرها بخلفية تاريخية وجغرافية لجنوب السودان.. ومن المهم أن نقتطف من تلك المقدمة ملخصاً يعين أبناءنا من الأجيال الحديثة على فهم حقائق قضايا بلادهم خاصة الكبيرة منها والمؤثرة على تنمية الوطن وتقدمه.
تبلغ مساحة السودان الجنوبي حوالى ربع مليون ميل مربع، يحده من الجهة الجنوبية زائير ويوغندا وكينيا ومن الجهة الشرقية أثيوبيا ومن الجهة الغربية أفريقيا الوسطى.. تقطن الجنوب قبائل شتى من الزنوج، ففي أعالي النيل وجزء كبير من بحر الغزال ينتمي أغلبية السكان إلى إحدى القبائل الثلاث الشهيرة - الدينكا والنوير والشلك - ويطلق عليها علماء الأجناس اسم القبائل النيلية، أما في المديرية الإستوائية نجد ما لا يقل عن أربعين قبلية لكل منها عاداتها وتقاليدها ومعتقداتها الخاصة وأكثرها عدداً الزاندي والباريا.. تتحدّث قبائل الجنوب لغات ولهجات مختلفة إلاَّ أنهم يتفاهمون مع بعضهم بلغة عربية ركيكة.. ولقد باءت بالفشل محاولات الإستعمار الإنجليزي لجعل اللغة الإنجليزية أو اللغات الأخرى غير العربية وسيلة للتفاهم بين تلك القبائل مع ذلك نجد أنّ أثر الحضارة عربية كانت أو أوروبية ضئيل جداً على سكان جنوب السودان.. خاصة على القبائل النيلية التي اشتهرت بقدرتها القتالية العالية، وهي تمتلك ثروات كبيرة من الأبقار وفي غرب الإستوائية يعمل السكان بالزراعة إذ ليس في مقدورهم تربية الأبقار لتواجد ذبابة مرض النوم في مناطقهم.
تاريخ جنوب السودان لا يعرف عنه إلاَّ القليل قبل عام 1820.. وبدأ كثير من الأوروبيين رحلاتهم لاكتشاف منابع النيل بعد عام 1850.. خلال فترة الحكم التركي قبل عام 1885عيّن الخديوي «حاكم مصر» بعض الأوروبيين كمديرين للإستوائية لخدمة أغراضه ومد نفوذه وقد اشتهرت فترة الحكم التركي وفترة حكم المهدية 1885 - 1899 بغارات جلب الرقيق التي قام بها بعض الأوروبيين والمصريين وأهل شمال السودان مما نجم عنه شعور زائد بالكراهية وولّد خوفاً شديداً تجاه الشماليين.. بالطبع فقد حُرِّمت تجارة الرقيق بعد الفتح المصري الإنجليزي عام 1899.
من ناحية الدين والمعتقدات فأغلبية سكان شمال السودان يعتنقون الدين الإسلامي أما معظم سكان الجنوب فلا دينيين وقد بدأت الارساليات المسيحية عملها في الجنوب منذ عام 1848وتم زيادة نشاطها وتنظيمه بعد الفتح في عام 1899 وقد سمح لكل من الإرسالية الكاثوليكية والإرسالية البروتستانية بالعمل التبشيري في جنوب السودان مع تكليفها بمسؤولية نشر التعليم بين أبناء وبنات الجنوب بل وقدّمت لها اعانات مالية من الحكومة بدءاً من عام 1927.
في عام 1949 نظّمت الحكومة نشاط الإرساليات التعليمي والزمتها باتباع سياسة الحكومة التعليمية ومناهجها وأخذت المدارس الحكومية في الجنوب تزداد منذ عام 1948 وعند وقوع أحداث التمرد في عام 1955 كانت المدارس الحكومية بالجنوب.. مدرسة ثانوية برمبيك وست مدارس وسطى للبنين وثماني مدارس أولية ومدرسة وسطى للبنات بالإضافة لذلك توجد مدرستين للحرف ومدرسة صناعية وثلاثة مراكز لتدريب مدرسي مدارس القرى.
يلقي البعض مسؤولية التحريض على التمرد على الجمعيات التبشيرية التي كانت ترمي الدين الإسلامي بالسوء ويطلقون على أهل الشمال تجار الرقيق وكان تاريخ تجارة الرقيق يُدرّس في مدارسهم مدعماً بكتيبات ونشرات يصدرونها وفقاً لتصورهم ومخططاتهم.
** منشور السكرتير الإداري 1930
يعتبر منشور السكرتير الإداري هارولد ماكمايكل والذي أصدره في 25 يناير 1930موجهاً لمديري المديريات الجنوبية الثلاث «أعالي النيل ومنقلا وبحر الغزال» يعتبر المخطط الرئيسي لسياسة الإنجليز الخاصة تجاه الجنوب والتي هدفت لخلق الكراهية وعدم الثقة في نفوس الجنوبيين تجاه مواطنيهم الشماليين.. ولقد لعبت تلك السياسة دوراً لازالت آثاره باقية في تكريس الإنفصال سياسياً وإجتماعياً وثقافياً وإقتصادياً.
لأهمية ذلك المنشور فقد أوردته لجنة التحقيق في حوادث الجنوب مفصلاً.. وأهم ما جاء فيه:
«إنَّ سياسة الجكومة في جنوب السودان هي إنشاء سلسلة من الوحدات القبلية أو العنصرية القائمة بذاتها، على أن يكون النظام فيها مرتكزاً على العادات المحلية والتقاليد والمعتقدات بقدر ما تسمح ظروف العدالة والحكم الصالح».
اشتمل المنشور على خطوط عامة توضح الإجراءات التي تتخذ لتنفيذ هذه السياسة ومنها:
* امداد الجنوب بموظفين لا يتكلمون اللغة العربية من إداريين وكتبة وفنيين.
* إحكام الرقابة على هجرة التجار من الشمال.
* استعمال اللهجات المحلية عندما يكون التفاهم باللغة الإنجليزية مستحيلاً.
بدأ في تنفيذ السياسة التي خططها منشور السكرتير الإداري فوراً وقد ترتب عليها:
* نقل جميع الموظفين الشماليين من إداريين وفنيين وكتبة للشمال.
* عدم منح التجار من الشمال رخصاً لمزاولة تجارتهم في الجنوب وتشجيع التجار الإغريق والشوام لا الجلابة.
* إخلاء المسلمين الشماليين وترحيلهم للشمال.
* محاربة الدين الإسلامي.
* الغاء تدريس اللغة العربية كمادة في المدارس.
ومن الإجراءات التي اتسمت بالتطرف نحو تطبيق السياسة الخاصة بالجنوب.. أنْ تمَّ هجر قرية كانياكنجي ببحر الغزال وخلقت منطقة الردوم بين دارفور وبحر الغزال لمنع اختلاط العرب والزنوج.. تم إبعاد المسلمين من الزنوج إلى أقطار غرب أفريقيا كالفلاتة والهوسة.. خفضت مدينة راجا التجارية من رئاسة مركز فرعي.. منع الجنوبيين المسلمين من ممارسة شعائرهم علناً.. استعمال اللغة العربية في المدارس جريمة يعاقب عليها.. تمّ أيضاً تحريم بيع الجلاليب وأُجبر زعماء القبائل من السلاطين على العودة لزيهم القديم.. كما أُرغم كل مَنْ حمل اسماً عربياً على تغييره.
عموماً فقد سعت الإدارة البريطانية بكل نفوذها وجهدها لطمس كل وأي أثر للشمال في الجنوب ديناً وعادات ولغة وثقفة وكان نتاج ذلك تعثر الجنوب في كل الميادين وعدم ترقيته وتنميته في مجال الإنسان ومجالات التنمية الأخرى، بل والقعود به الشيء الذي أدى إلى ما نحن في الآن.. وليس أدل على ذلك من الاعتراف الذي سجله السكرتير الإداري في عام 1948 حيث قال: «إنَّ سياسة ترقية الجنوبيين تأثرت كثيراً نتيجة للجهل وعدم الإهتمام اللذين ربما نجما عن الإتجاه السياسي المكرس في هذا المكتب».
خلصت لجنة التحقيق الإداري في حوادث الجنوب إلى أنَّ الخلفية التاريخية والجغرافية لجنوب السودان.. أهل الجنوب وقبائله.. النفوذ الإستعماري ونشاط الجمعيات التبشيرية المسيحية.. السياسة الواضحة الرامية لفصله وقفل أبوابه أمام الشماليين ونفوذهم العربي والديني وتركيز الفوارق بين الشمال والجنوب في اللغة والدين والعِرق والعودة لتاريخ تجارة الرق.. كل ذلك أوغر صدور أهل الجنوب على مواطنيهم من الشمال وأثار الريب والخوف تجاههم وقاد لوقوع كارثة التمرد في توريت.
عن الأسباب المباشرة للتمرد فتحددها لجنة القاضي قطران في الآتي:
1/ انتشرت في الجنوب صورة برقية مزوّرة أعدّها كاتب جنوبي في جوبا زاعماً أنها جاءت من رئيس الوزراء الأزهري في مستقبل يوليو 1955 وقد كان نصها كما يلي:
«إلى كل رجال إدارتي في المديريات الجنوبية الثلاث.. لقد وقّعت الآن على وثيقة تقرير المصير فلا تستمعوا لشكوى الجنوبيين الصبيانية.. اضطهدوهم وضايقوهم وعاملوهم معاملة سيئة استناداً على تعليماتي وسيعرض كل إداري يفشل في تنفيذ أوامري نفسه للمحاكمة وستجنون ثمار ما قمتم به من أعمال بعد ثلاثة أشهر».
طبعت هذه البرقية المزوّرة على ورق حكومي ووزّعت على نطاق واسع شمل ضباط ورجال البوليس من الجنوبيين.
وصلت صورة من البرقية لبلك أمين في الفرقة الجنوبية يدعى سترلينو وقد قام بتغيير عنوانها إلى «ضباطنا الشماليين في الفرقة الجنوبية» ووزعها على صف الضباط الجنوبيين بل ودعا لإجتماع ضمّ صف الضباط وتدارسوا أمرها.
2/ على الرغم من نشر هذه البرقية المزوّرة على نطاق واسع فإنَّ سلطات البوليس لم تسمع بنبئها إلاَّ في السابع من أغسطس ولم تبذل أي جهد للكشف عن مصدرها أو تتخذ أي إجراء لدحضها.
3/ فقدت الثقة بين الأهليين والإداريين الشماليين بسبب تدخل الإداريين في الأمور السياسية مما كان له أثر سيء على الشعور العام.
4/ أحداث انزارا
تتلخص أحداث انزارا.. أنه في شهر يوليو 1955 فصلت إدارة مشروع الزاندي نحو ثلاثمائة عامل جنوبي بغرض توفير الميزانية دون تقدير للنتائج السياسية التي قد تترتب على مثل هذا الإجراء.. وفي الخامس والعشرين من يوليو 1955حُكم على أعضاء البرلمان الجنوبيين بالسجن وفي اليوم التالي قامت مظاهرة في مدينة انزارا تم التعامل معها بقسوة إذ استدعيت وحدات من الفرقة الاستوائية لمعاونة الشرطة في اخمادها فقُتل ستة من أبناء الزاندي وجُرح كثيرون منهم.. لم يتم تحقيق في الحادث بل أصدرت الخرطوم تهديداً لمفتعلي الفوضى والتخريب.
5/ سوء تقدير الموقف وعدم إتخاذ خطوات فعالة رادعة عند اكتشاف المؤامرة.
في السابع من أغسطس تم اكتشاف مؤامرة للتمرد في الفرقة الجنوبية شملت كبار صف الضباط وأبدت السلطات ضعفاً عظيماً تجاهها ولم تقبض على أي من المشتبه فيهم من رجال الجيش.. بل ألقت القبض على اثنين من المدنيين في جوبا بتهمة تورطهما في المؤامرة فقامت مظاهرة تطالب بإطلاق سراحهما وقع فيها اعتداء على مفتش المركز.
6/ بات واضحاً أنه لا يمكن الاعتماد على ولاء الفرقة الجنوبية وعليه تقرر ارسال قوات شمالية بأعداد كافية للجنوب للمحافظة على الأرواح والممتلكات.
7/ في السابع عشر من أغسطس 1955 كان الاحتمال بتمرد البلك الثاني وعصيانه أوامر السفر إلى الشمال واضحاً، فعقد إجتماع برئاسة المديرية ترأسه مدير المديرية وحضره كبار رجال الجيش في مقدمتهم قائد الفرقة الجنوبية الميرلاي إسماعيل سالم وكبار رجال الشرطة والإداريين.. من الاقتراحات التي طُرحت سحب كل الذخيرة الاحتياطية من توريت ووضعها تحت حراسة الجنود الشماليين وحراسة المخازن هناك بواسطة قوات شمالية أيضاً وإرسال قوات شمالية لتعسكر خارج توريت للسيطرة على الموقف إذا ما وقع التمرد المتوقع.
لم يوافق قائد الفرقة الجنوبية على هذه المقترحات خشية أن تثير الجنود وتحملهم على تصرف غير محمود العواقب وكان واثقاً في ذلك الإجتماع من أنّ جنود البلك الثاني سيطيعون سائر الأوامر التي لهم.
8/ إتخذ إجتماع جوبا قراراً جاء فيه.. أنه حفاظاً على هيبة وكرامة الحكومة يجب أن يسافر البلك الثاني للخرطوم للمشاركة في احتفالات الجلاء.
لعل تقرير لجنة القاضي قطران قد جاء شاملاً غطى أحداث التمرد كما وقعت وذهب بعيداً في البحث عن جذور المشكلة في كل نواحيها كما أورد الأسباب المباشرة التي قادت للتمرد.. من خلال التقرير وتواتر الأحداث يتضح جلياً أنّ الدور الأمني في الجانب المدني «الإدارة والبوليس» قد كان ضعيفاً وسلبياً لم يسهم بالكثير في رصد الأحداث وتوفير المعلومات وإتخاذ الإجراءات التي كان من الممكن أن تحد من قسوة ما حدث إن لم يكن منعه وكذلك الحال بالنسبة لجانب الأمن العسكري، فبالرغم من توفر المعلومات قبل فترة كافية إلاَّ أنّ التعامل معها اتسم بعدم الجدية مما قاد لما حدث.
وحتى لا نظلم مسؤولي تلك الفترة فلابدّ من النظر للعوامل التي صاحبت تلك الأحداث والتي من أهمها تركيبة المؤسسة الأمنية في تلك الفترة وكيف تشكّلت وما لديها من سلطات ووسائل ومن أهمها عوامل الزمن والإتصال والمواصلات وعامل الجو النفسي الذي كان سائداً بل ونظام الحكم المستند على الديمقراطية التقليدية والكيفية التي توظّف بها مؤسساتها في الحكم خاصة التنفيذي منها.. سيكون كل ذلك مجال مقالنا القادم بإذن الله.

المراجع:
- الزعيم الأزهري وعصره «بشير محمد سعيد»
- الأحزاب السودانية والتجربة الديمقراطية «محمد محمد أحمد كرار»
- التعليم في خدمة الوحدة الوطنية والمواطنة في السودان «اللواء عثمان السيد.
Admin
Admin
Admin

عدد الرسائل : 156
تاريخ التسجيل : 21/01/2008

https://orab.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى