SUDAN FLYING HIGH OVER THE SKY
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تاريخ الأجهزة الأمنية في السودان حتى أبريل 1985 (9)

اذهب الى الأسفل

تاريخ الأجهزة الأمنية في السودان حتى أبريل 1985 (9) Empty تاريخ الأجهزة الأمنية في السودان حتى أبريل 1985 (9)

مُساهمة من طرف Admin الخميس يناير 29, 2009 9:58 pm

فترة الحكم الوطني الأول حتى انقلاب 17 نوفمبر 1958م
عميد أمن «م»/ محمد الفاتح عبدالملك
أحداث ومواقف تمرد توريت 1955م
كما ورد في تفصيل أحداث التمرد في المقالة السابقة فإنّ التمرد قد تركّز بصفة كبيرة في المديرية الاستوائية شرقها وغربها.. ولم يمتد التمرد إلى مديريتي أعالي النيل وبحر الغزال.. ففي ملكال عاصمة أعالي النيل اكتفى الجنود الجنوبيون والذين كان من المفترض أن يغادروا للخرطوم بمغادرة الباخرة المعدة لنقلهم وسلموا ما لديهم من أسلحة وذخائر.. وقد أعقب ذلك أن فرّ إلى الغابة حوالى ستين من رجال البوليس خوفاً من أن تطالهم إجراءات تعسفية إلاّ أنّ عدداً كبيراً منهم قد عاد من تلقاء نفسه مسلماً للسلطات التي أجرت معهم تحقيقاً.. أما في مديرية بحر الغزال فلم ترد أي معلومات عن وقوع اضطرابات من أي نوع إلاَّ أن تواتر الشائعات وعدم توفر معلومات أكيدة عما حدث في الاستوائية قد دفع بالسيد داؤود عبداللطيف مدير المديرية آنذاك أن يعقد إجتماعاً ضمّ كبار الإداريين وضباط الجيش والموظفين من الشماليين وقد إتخذ ذلك الإجتماع قراراً بعد تقدير الموقف بضرورة مغادرة الشماليين وأسرهم.. وبالفعل فقد نفذ القرار وغادر الجميع مستغلين الباخرة «دال».. ومما يجدر ذكره أن كل من السيدين فلمون ماجوك وسانتينو دينق يعتقد أنهما قد لعبا دوراً بارزاً في تهدئة الأهالي بمراكز المديرية المختلفة مما أدى لاستباب الأمن وعدم انتشار أو وصول التمرد لمديرية بحر الغزال.
** دور الأجهزة الأمنية في أحداث التمرد
كما أسلفنا سابقاً فقد اسهبت لجنة القاضي قطران في تحديد الأسباب التي أدت لوقوع التمرد في الجنوب بالصورة المأساوية التي حدث بها وعادت بجذور المشكلة تاريخياً وإجتماعياً وسياسياً.. وللوقوف على الدور الذي قامت به الأجهزة الأمنية في رصد تلك الأحداث وتوفير المعلومات والعمل على الحد منها.. لابدّ من البحث في عدة عوامل، ولعل من أهمها شكل ونوع الإدارة الذي كان سائداً في ذلك الوقت..
يعتبر السيد ريقلند ونجت باشا والذي خلف اللورد كتشنر حاكماً عاماً للسودان في عام 1900 أباً مؤسساً للنظام الإداري الحديث في السودان والذي انشئت فيه خمسة عشرة مديرية.. يجلس في قمة الهرم الإداري الحاكم العام يليه في المسؤولية المفتش العام.. ذلك المنصب الذي شغله سلاطين باشا النمساوي الجنسية لفترة من الزمن، ويأتي بعده وكيل حكومة السودان في القاهرة والذي كان يشغل أيضاً منصب رئيس قلم المخابرات مسؤولاً عن النشاط الاستخباري في السودان.. ثم يأتي قادة العمل الإداري.. السكرتير المالي والسكرتير القضائي والسكرتير الإداري الذي كان مسؤولاً بصفة خاصة عن الشرطة والسجون وإدارة المديريات بالإضافة لسلطات الهجرة ودخول الأجانب للسودان بالإضافة لسلطات الترخيص.
الإدارة في كل مديرية كانت مسؤولية مدير المديرية والذي يتبع رأساً للسكرتير الإداري.. وتقسم المديرية إلى عدة مراكز على رأس كل مركز مفتش يساعده عدد من المأمير ونواب المأمير ومن ثمّ العمد والشيوخ وتتركز السلطات التشريعية والتنفيذية وحتى القضائية في يد مدير المديرية.. وفي المراكز أيضاً يتمتع المفتشون بنفس السلطات وكل ذلك يخضع للحكومة المركزية في الخرطوم.
هذا النظام الإداري المركزي قد ساد السودان لفترة ليست بالقصيرة وحتى بعد اتمام السودنة في عام 1955.. إذ لم يكن من الميسور استبدال نظام استمر لأكثر من نصف قرن خاصة وأن مَنْ تولوا المسؤولية من الموظفين كانوا امتداداً لرؤسائهم من الإنجليز.. تدربوا على أيديهم ونقلوا عنهم الكثير من أساليب الإدارة خاصة الايجابية منها والتي تم تطويرها لتواكب جو الحرية والاستقلال.. ولعل ذلك النظام الإداري قد أثبت فعاليته وجدواه بمقاييس ذلك الزمن.
إذن فمن الواضح أن مسؤولية الأمن كانت تحت يد مدير المديرية ومساعديه من المفتشين في المراكز يساعدهم في ذلك ضباط البوليس.. أنشأت في كل مديرية لجنة للأمن يترأسها مدير المديرية ويعمل سكرتيراً لها قومندان البوليس وتضم في عضويتها قائد الجيش بالمنطقة بالإضافة لعدد من الأعضاء الآخرين، وحسب المواضيع التي تُعرض عليها وتكون ذات أثر على الأمن.. وتتشكّل في المراكز التي تتبع للمديرية لجان أمن على نفس النسق برئاسة المفتشين.
بهذا الشكل الإداري وقبل وخلال أحداث التمرد ماهو الدور الذي لعبته أجهزة الأمن آنذاك من حيث رصد الأحداث.. ومن حيث توفير المعلومات؟!..
لتحديد ذلك الدور لابدّ من تسجيل الأحداث والمعلومات التي يعتقد أنها شكّلت مؤشرات مباشرة لما سيقع من أحداث ويمكن إجمال أهمها في الآتي:
* نشوء حالة من التخوف لدى المتعلمين من الجنوبيين وذلك على إثر إعلان مقررات لجنة السودنة والتي لم تعط الجنوبيين وضعاً خاصة في الوظائف الكبرى.
* في أكتوبر 1954 دعا حزب الأحرار - من الأحزاب الجنوبية - إلى عقد مؤتمر في جوبا لمناقشة أثر السودنة على الجنوب.
* زيارة الزعيم الأزهري رئيس الوزراء للجنوب في نهاية عام 1954 في محاولة لتطمين الجنوبيين معلناً عن زيادات في مرتبات رجال البوليس والسجانة والكتبة، إلاَّ أن تقييم الزيارة كان سالباً ولم يُقابل الزعيم الأزهري ووفده بالحفاوة المتوقعة.
* إدارة مشروع الزاندي «الشمالية» تفصل حوالى 300 عامل جنوبي.. وقيام مظاهرات معارضة للقرار والحكومة بمدينة انزارا وسقوط ستة قتلى من أبناء الزاندي.
* في بداية أغسطس 1955 اكتشاف مؤامرة للتمرد بالفرقة الاستوائية.
* انتشار صورة برقية مزوّرة نسبت للزعيم الأزهري تنادي في ملخصها باساءة معاملة الجنوبيين.
الثابت مما لدينا من تقارير وشهادات تاريخية أن مسؤولي المراكز والمديريات من مفتشين ومديرين قد نجحوا في رصد تلك الأحداث والمؤشرات في حينها وتم تبليغها للمركز الخرطوم في حينها.. واضعين في الاعتبار وسائل الإتصال في ذلك الزمن والتي كانت تعتمد بصورة أساسية على أجهزة الإرسال والاستقبال ومن أهمها التابعة لمصلحة البريد والبرق.. ومن ناحية أخرى فقد تم التعامل مع الأحداث كل في موقعه وزمنه وذلك وفق القانون الساري من فتح للبلاغات واجراء محاكمات ولم يكن هنالك ما يستدعي إتخاذ اجراءات استثنائية.. في جانب العمل الأمني الخاص بتوفير المعلومات وتقييمها وتحليلها ومن ثمّ قراءة التوقعات والاحتمالات وهو بلا شك عمل متخصص يتطلب التدريب والخبرة فيجب أن نوضح أن المديريات الجنوبية في ذلك الوقت لم تحظى بتلك الكوادر المؤهلة أمنياً في جانب الإدارة والبوليس والذان كان منبعهما واحداً هو مدرسة الإدارة والبوليس.. ومعلوم أن العمل الأمني المتخصص قد تركّز في القسم المخصوص بوزارة الداخلية والذي كان يعتمد في تغطية النشاط الأمني خاصة السياسي منه في المديريات والمراكز على تقارير المديرين والمفتشين وضباط البوليس ويمكن القول أنه حتى ذلك الوقت لم تكن للقسم المخصوص أفرع بأي من مديريات وأقاليم السودان المختلفة، إلاَّ أنه كان يتلقى التقارير عبر وكيل وزارة الداخلية ويتعامل معها أيضاً من خلال الوكيل ومدير عام البوليس.
في جانب الأمن العسكري «الاستخبارات» فمما لا شك فيه أنّه قبل الأحداث وخلالها توفرت لضباط الاستخبارات المعلومات الكافية التي تشير إلى أن أحداث جسام ستقع إلاَّ أنّ أكثر المتشائمين منهم لم يتوقع أن تتخذ الأحداث ذلك المنحى وتودي بحياة الكثيرين وليس أدلّ على ذلك من رفض الأميرلاي اسماعيل بك سالم للاجراءات التي اقترحتها لجنة أمن المديرية حيال حامية توريت، ولعل دافعه في ذلك الاعتماد على تاريخ قوة دفاع السودان وانضباطها إذ كان واثقاً من أن الجنود سينصاعون للتعليمات.
عامل التنافس السياسي لعله لعب الدور الأبرز في أحداث الجنوب، فالزيارات التي قام بها كل من وفدي حزب الأمة والحزب الوطني الإتحادي خلال فترة الإنتخابات وبعدها والسعي لكسب النواب الجنوبيين من خلال الوعود الخلابة والتشكيك في نوايا ومرامي الحزب الآخر لعب دوراً سالباً في زيادة الشك لدى الجنوبيين.. ودفع بهم لتكوين كيانات مستقلة خاصة بهم ترعى مطالبهم وتلبي طموحاتهم وأبرز تلك الكيانات حزب الأحرار الذي ضمّ إليه عدداً كبيراً من النواب الجنوبيين بعد تغيير انتمائهم.. وبديهي أن تكون لهم الكلمة المسموعة والخطاب المؤثر بين أهلهم وقبائلهم.
نخلص إلى أنّ عوامل كثيرة سياسية وإدارية وعسكرية وأمنية قد قادت لأحداث الجنوب التي اصبحت واقعاً تعايشت وعانت منه الأجيال متعاقبة حتى يومنا هذا.. ولابدّ من الاشارة إلى أنّه وخلال فترة التمرد الأولى قد أصبح الجنوب منطقة عمليات خاضعة لقانون الطواريء امتد فيه النفوذ العسكري وانشئت فيه الكثير من الحاميات في المديريات الثلاث بسلطات واسعة كما أنّ قوات البوليس قد انتشرت بصورة أكبر وأُعيد تسلحيها وأصبحت تمارس عملها في ظروف استثنائية.
ملف أحداث التمرد الأول في 18 أغسطس 1955 لا يمكن غلقه فقد بذر البذرة الأولى ولازالت آثاره باقية فتبعه التمرد الثاني ثم الأخير، وكما ذكرت فسنتناول الأحداث وفق الترتيب الزمني للمراحل التي مرّ بها تاريخ الأجهزة الأمنية خلال فترات الحكم المختلفة التي مرّت بها بلادنا وكيف أثرت تلك الأحداث على الأمن القومي السوداني.. ودور الأجهزة الأمنية فيها.
من الأحداث والمواقف المهمة خلال فترة الحكم الوطني الأول والتي سنتعرض لها في مقالاتنا القادمة إن شاء الله.
أحداث عنبر جودة.. انقلاب كبيدة أول محاولة انقلابية في السودان 1957.. المعونة الأمريكية في حكومة السيد عبدالله بك خليل ومشكلة حلايب.
Admin
Admin
Admin

عدد الرسائل : 156
تاريخ التسجيل : 21/01/2008

https://orab.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى